صراع القادةِ الشّبابِ والقادةِ الشّيوخِ

يناير 24, 2018 | أبحاث

قد يرتكبُ القادةُ الشّبابُ أخطاءً فادحةً في بعضِ الأحيانِ، في حينِ يتمنّى القادةُ الكبارُ أن يتّعظَ هؤلاءِ الشّبابُ أو أن يكفّوا عن ارتكابِ هذه الأغلاطِ الغبيّةِ التي ليسَ لها مبرّرٌ. وفي بعضِ الأحيانِ يتحمّلُ الشّبابُ انتقاداتٍ كثيرةً وغيرَ ضروريّةٍ وغيرَ منصفةٍ جرّاءَ التّفاوتِ العمريِّ والفروقِ بينَ الجيلينِ.

وسأعْرِضُ هنا بعضِ الأمورِ التي يُساء فَهمُها من قِبلِ القادة الكبارِ وطريقةِ استجابتِهم للشّبابِ للجيلِ الجديدِ. ولا أريدُ خلقَ صورةٍ نمطيّةٍ للقادةِ الكبارِ في الكنيسةِ أو للجيلِ الجديدِ، بل أحاولُ تقريبَ الأفكارِ للوصولِ إلى تفاهمٍ مشتركٍ بينّهما.

  • القادةُ الكبارُ يمكنُ أن يخلطوا بينَ الثّقة بالنفسِ والغرورِ عندَ الشّبابِ.

إنّ الثّقة مكوَّنٌ رئيسيٌّ للقائدِ بغضِّ النّظرِ عن سنِّهِ. فلن يتبعَك أحدٌ ما لم تملكِ الثّقة بنفسِك وبقدرتِك على تحمّلِ مسؤوليّةِ القيادةِ. ولكنْ قد يُساءُ فهمُ الثّقةِ بالنفسِ على أنّها غرورٌ، معَ أن ّهنالك بعضَ التّداخلِ بين المفهومين. فعلى القائدِ المتقدّمِ في العمرِ أن يراعي هذا الجانبَ في القائدِ الشّابِ ولا يَعُدُّ ثقتَهُ بنفسِه على أنّها غرورٌ وكبرياءٌ. صحيحٌ أن الثّقةَ تأتي مع الخبرةِ والتمرّنِ، لكنّها تأتي أيضاً من القناعةِ الشخصيّةِ. فامنحْ قادتَك الشّبابَ الثّقةَ، فمِن دونِها لا يستطيعون المسيرَ أو التّقدّمَ.

  • القادةُ الكبارُ يمكنُ أن يسيئوا فَهْمَ الإبداعِ على أنّهُ تمرّدٌ.

تتمثّلُ إحدى ميّزاتِ القائدِ النّاجحِ في قدرتِهِ على إيجادِ حلولٍ مبدعةٍ لمشكلاتٍ معقّدةٍ. وتتغيّرُ الحلولُ طبقاً للحاجةِ والظّروفِ. فحلولُ أيّامِنا المعاصرةِ تمتازُ بطابَعِها الشّبابيِّ وتختلفُ عن تدابيرِ العقدِ الفائتِ. وبطبيعةِ الحالِ، يبقى التغييرُ شيئاً صعباً ومرفوضاً في أحيانٍ كثيرةٍ لكنه أمرٌ محتومٌ. وقد يرى الكبارُ إلى التغييرِ على أنه تخلٍّ عن الهُويّةِ والثوابتِ الأساسيّةِ. لكنّ مفهومَ التغييرِ عندَ الشّبابِ يعني الإبداعَ والابتكارَ وإظهارَ التقدّمِ والتفوّقَ في جوانبِ الخدمةِ كلِّها. وليسَ هذا النوعُ من التغييرِ تمرّداً، بل تجديدٌ وابتكارٌ.

  • قد يغيبُ عن ذهنِ القادةِ الكبارِ التفكيرُ في أسلوبِ الخدمةِ الجديدِ الذي يخاطبُ جيلَ الشّبابِ بصورةٍ مباشرةٍ.

ليسَ الأسلوبُ الجديدُ في الخدمةِ الانخراطَ في الأمورِ الدنيويّةِ. يعتقدُ بعضُهم أنّ تبنّي أساليبِ خدمةٍ شبابيّةٍ أو مفعمةٍ بالحركةِ والنشاطِ وسيلةٌ يستخدمُها العالمُ ليتسلّلَ إلى الكنيسةِ. إذْ نرى هذا بعضاً من قادةِ الجيلَ رفضاً لأيِّ أسلوبٍ جديدٍ في الخدمةٍ وتمسُّكاً بما نشأَ عليهِ متجاهلين أنّ أساليبَهم في الخدمةِ كانت جديدةً ومثيرةً للجدلِ آنذاكَ. ولنتذكّرْ أن الظروفَ والأساليبَ قد تختلفُ، لكنّ كلمةَ اللهِ ومبادئَها ثابتةٌ. فعلينا أن ندركَ كقادةٍ أنّ الخدمةَ تتطلبُ منّا أن نخرجَ خارجَ إطارِ ما اعتدْنا عليه لنجتذبَ الذين لا يتردّدون على كنيستِنا بطرقٍ تخاطبُ حياتَهم مباشرةً لكنّها في الوقتِ نفسِهِ لا تتعارضُ مع كلمةِ اللهِ.

  • مساءلةُ الشّبابِ للكبارِ ليست عصياناً، إنما حبٌّ للمعرفةِ.

لا تستغربْ من القادةِ الجددِ عندما يتساءلون عن شيءٍ من هذا القبيلِ: “لماذا نفعلُ هذا الأمرَ أو ذاك؟ ما هدفُ هذه الخدمةِ؟ لماذا لا نجرّبُ هذه الطريقةَ؟ لماذا فشلتْ معَنا هذه الإستراتيجيّةُ؟” ربما عبّرَ الشّبابُ عن هذه التساؤلاتِ بصورةٍ غيرِ سليمةٍ، أو ربما حدثَ نوعٌ من سوءِ الفَهمِ أو ما شابهَ. وربما يُظهرُ هؤلاءِ الشّبابُ نوعاً من الكبرياءِ والعجرفةِ. وبغضِّ النظرِ عن أسبابِ التساؤلاتِ في الأمورِ التي نعُدُّها ثوابتَ ورواسخَ، يجبُ الاستماعُ إليهم ومراعاةُ مشاعرِهم والانتباهُ إلى ملاحظاتِهم وإلاّ ثبطتْ عزيمتُهم، وربما يتركون الخدمةَ أو ينتقلون إلى مكانٍ آخرَ. فمهما ازدادتْ تساؤلاتُ الشّبابِ، يجبُ علينا أن نوفّرَ المناخَ الذي يحفزُهم على التقدُّمِ وإيجادِ الأجوبةِ المناسبةِ.

  • إليك بعضَ النصائحِ للقادةِ الكبارِ والشّبابِ

كانت كلُّ نقطةٍ من النّقاطِ السابقةِ موجهةٌ بهدفِ تقريبِ المسافةِ بينَ الجيلين، إلاّ أنه ينبغي على الشّبابِ تقديمُ الاحترامِ والوقارِ للقادةِ الكبارِ ومحاولةُ  التعلُّمِ من حكمتِهم وخبرتِهم أيضاً. وإليكَ بعضَ النصائحِ التي من خلالِها يستطيعُ الشّبابُ الاستفادةَ من خبرةِ الكبارِ وحكمتِهم:

  • اكتسبْ حكمةَ الكبارِ.
  • اطلبِ النصيحةَ منهم حتى لو كنتَ تمتلكُ معلوماتٍ كافيةً عن أمرٍ ما.
  • احترمْ مشورتَهم رغمَ عدمِ موافقتِك عليها.
  • اسألْ واستمعْ أكثرَ لتتعلّمَ.
  • حاولْ فهمَ وجهةِ نظرِ الآخرِ عوضاً عن الانتقادِ وفرضِ التحدّي.
  • اقضِ وقتاً مع القادةِ الكبارِ قدرَ المستطاعِ.

كيف يستطيعُ القادةُ الكبارُ مساعدةَ القادةِ الشّبابِ وإرشادَهم:

  • اسمحْ لهم بارتكابِ الأخطاءِ، فالأخطاءُ جزءٌ طبيعيٌّ من التعلُّمِ.
  • أدركْ حاجتَهم إلى تولّي دورٍ قياديٍّ ودورِك مستقبلاً. فليس منطقيّاً أن يبقوا في مقاعدِ المتفرّجين.
  • أدرِكْ أنكَ لا تستطيعُ أن تقومَ بالأدوارِ القياديّةِ كلِّها وحدَك، رغمَ اقتناعكِ بأنك قادرٌ على القيامِ بها أفضلَ من أيِّ شخصٍ آخرَ.
  • قيّم مواهبَهم المعطاةَ من اللهِ، وادرسْ معهم المجالاتِ التي يمكنُ أن يخدموا فيها. وتذكّرْ أن تلك المواهبَ وزناتٌ ائتمنَكَ الربُّ عليها من أجلِ خدمةِ الكنيسةِ والملكوتِ. فلا تفرّطْ بمواردِ الربِّ.
  • اخلقْ مناخاً يهيّئُ جيلاً قياديّاً جديداً.
  • درّبْهم على القيادةِ، عالماً أن القائدَ الذي لا ينتجُ قادةً إنما هو قائدٌ فاشلٌ. اعقد دوراتٍ قياديةً لهم، وأتِحْ لهم فرصاً للقيادةِ تحتَ إرشادِك، وقوموا معاً بتقييمِ أدائِهم.
  • واكبِ البيئةَ الجديدةَ المتغيرةَ واقبلِ التغييرَ الذي لا يتعارضُ مع كلمةِ اللهِ.

ويبقى السؤالُ المطروحُ: كيفَ يتلاقى الجيلانِ لتكميلِ عملِ اللهِ. إنّ تسليمَ المشعلِ من الكبيرِ إلى الصغيرِ أمرٌ كتابيٌّ يحثُّنا عليه الكتابُ المقدسُ بكلِّ وضوحٍ. فالرسولُ العظيمُ بولسُ، لم يكتبْ آخرَ رسائلِه لكنيسةٍ ما أو لشيخٍ أو أسقفَ. بل كرّسَ آخرَ كلماتٍ أوحيَ بها إليه إلى شابٍّ حديثٍ ممتلئٍ بالحيويّةِ والنشاطِ يدعى تيموثاوسَ. ونحن نحدُ مثلاً لذلك في تيموثاوس الثانية 2: 2: “وما سمعتَهُ منّي بشهودٍ كثيرينَ أودِعْهُ أناساً أمناءَ يكونون أكْفاءَ أن يعلّموا آخرين أيضاً.” ومن دونِ تطبيقِ هذا الإستراتيجيةِ الكتابيّةِ، لن تستمرَّ الكنيسةُ. فهل نستثمرُ طاقتَنا وإمكانياتِنا لنرى جيلاً صاعداً واعداً بأفقٍ جديدٍ للكنيسةِ؟ لا شكَّ أنه ستكونُ احتكاكاتٌ وبعضُ الخلافات، فهذا أمرٌ طبيعيٌّ. فمهما كانَ عمرُنا، دعونا نتبنَّ دورنَا القياديَّ من منطلقِ خدمةِ السيدِ يسوعَ المسيحِ. ومن خلالِ محبتِنا له وبعضُنا لبعضٍ، نستطيعُ أن نتجاوزَ كلَّ تحدٍّ وصعوبةٍ.

فارس أبو فرحة

Share This