من اين جاء قايين بزوجة له؟

فبراير 18, 2018 | أبحاث

هذا السؤال شَكَّلَ صُعُوبةً لدى القارىء بسبب أن القارئ لتكوين 4 : 1-17 يبحث داخل سُطُورَهُ ولا يجد إلاّ أربعة شخصيات هم 1- آدم 2- حوّاء 3- قايين 4- هابيل
فمن أين جاء إذاً قايين بزوجة لهُ ؟ فلا توجد أي امرأه في المشهد إلّا حوّاء أمّه, للإجابة على هذه الصعوبة دعونا نفهم أمراً هامّاً كثيراً ما يحدُث في الكتاب عند السَّرد القِصَصي للأحداث.

 ضَغْط الأحداث زمنياً

كثيراً ما يحدث على صفحات الكتاب أن يقوم الكاتب بالروح القدس بضَغْط الأحداث زمنياً بحيث تبدو الأحداث وكانها مُتَتالية مُباشِرَة في الزّمن وراء بعضِها بدون فواصل من الوقت chronological, ولكن الحقيقة هي أنه هنالك فترات زمنيه لا يرى فيها الكاتب أي أحداث يُمكن تسيجلها تُحَقِّق الغَرَض من الكتاب فمثلاً لا شك أن هنالك فترة زمنية ما بين تكوين 2 : 25 و 3 : 1 حتى لو لم يتَّفق الدّارسين على مُدَّتِها إلّا أنها موجودة, أيضاً ما بين طرد الإنسان من الجنّة وبين إقامتِهِ شرقَي الجنّة في تكوين 3 : 24 هنالك فترة زمنية وكذلك ما بين تكوين 3: 24 و 4 :1, ما بَينَ 4 :1 و 4 : 2 وهكذا, هذه الفترات الزمنيّة من السَّهلِ التّحقٌّق منها من النص وهي ليست فرضيّة تحتاج إلى جهد لإدراكها , النَّص يُفَسِّرها جيِّداً للقارىء المُدَقِّق.

على نفس الطريقة يُمكِنٌنا أن نستنتج أنّهُ في (تكوين 4 : 16) “‘فخرجَ قايينُ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ، وسَكَنَ في أرضِ نودٍ شَرقيَّ عَدنٍ.” ما بين خروج قايين من حضره الرب وبين سُكناهُ أَرضَ نودَ شرقيِّ عدن، هُناكَ فترة زمنية مَرَّت يَستلزِمُها التِّرحال والتنقُّل , ثُمَّ هُناكَ فترة أُخرى مَرَّت حتّى عَرَفَ قايين امراتهُ , إذاً هُناك سنوات كثيرة ما بين إنجاب آدم لقايين وما بين زواج قايين من امراتهِ في تلك السنوات، لماذا لا يُصَدَّق أنَّ فيها أنجَبَ آدم أبناء وبنات آخرين غير الإثنين اللذين سَلَّطَت عليهم النبوّة الضوء لأغراض تُحَقِّق مقاصد المكتوب. أيضاً لماذا لا نُصَدِّق أنّهُ مَن تَمّ ذِكرَهُم هم من الأولاد وهم قايين وشيث لغرض تَحَقُّق الوعد بنسل المرأه وحتى بعد (تكوين 5 : 4) “وكانتْ أيّامُ آدَمَ بَعدَ ما ولَدَ شيثًا ثَمانيَ مِئَةِ سنَةٍ، وولَدَ بَنينَ وبَناتٍ”، الذي سجَّلَ أنَّ لآدم بنين وبنات لم يرد اسم ولا بنت من بناته رغم وجودهن وهذا لأن ليس لهم في غَرَض الوحي شيء.

آدم لهُ أبناء كثيرون وبنات

من تكوين 5 : 4 نفهم أن آدم كان لهُ أبناء وأيضاً بنات أمّا متى وُلِدوا فلم يَذكُر لنا الكتاب هذا , من المهم أن نَذكُر شَهَادة المؤرِّخ اليهودي الذي عاش في القرن الاول الميلادي وهو يوسيفوس ففي كتابه Antiquities of the Jews في الفصل 2 مِن الكِتاب رقم 1 نقرأ ما يلي :

(أدم وحوّاء كان لهما ابنان الأكبر يُسمَّى قايين والأصغر يُسمَّى هابيل، أيضاً كان لديهم بنات. وكما يقول التقليد اليهودي القديم أن آدم كان لديه ثلاثةً وثلاثينَ ابناً وثلاثةَ عشرون بنتاً) ,

لا نُعَوِّل كثيراً على هذهِ الشهادةِ من جهةِ التَّوثيق كمؤرخ لِبُعد الزمن ما بين المؤرِّخ والحَدث ولكن الشَّهادة تتفق مع المكتوب فيُقبَل التقليد.

الزّواجٌ من الأٌخت

نتائج الخطيّة بالنّسبةِ لقايين لم تكُن قد تراكمت بَعْد إذ أنّهٌ مولودٌ من أبٍ وأُمٍّ كاملين جسدياً ولا توجد بهم عيوب يُمكِن أن يتوارثها  أبنائهم المٌباشِرين، لذلك زواج قايين من أٌختهِ أو ابنةَ أخيهِ أو ابنةَ أٌختهِ لا يعطى تشوُّهات خَلْقية كما نرى في بعض حالات زواج الأقارب الآن, كان لا بُدَّ لِكي يُثمِروا وَيَكثُروا على الأرض (تكوين 1 :28) بحسب الوصيّةِ الإلهيّة أن يكون هناك زواج من أقرب الأقربين المناسبين أي من الأُخت أو ابنةَ الأخ أو ابنةَ الأُختِ فلا يوجد بديلاً غير ذلك وإلّا فكَيف يتكاثر الإنسان على الأرضِ؟.

أمّا الوصيّة بشأن عدم الزّواج من الأُخت فكانت بعد ذلك بكثير في أيّامِ موسى (لاويين 18 : 9) لِما لها من نُفُور أدبي وأيضاً ما يترتّب على مِثْلِ هذا الزّواج من تشوُّهات خَلْقية بعد أن دَمَّرَت الخطيّة كُلَّ شيء.

اذاً ليس صعباً علينا أن نُصَدِّق أن يحدُث زواجاً مثل هذا في بداية تاريخ البشريّة، لكن بعد ذلك بعد أن كَثُرَ النّاس على الأرض لا نقرأ أبداً عن أي زواج مثل هذا وقد أدانَ الكِتاب حادِثة أمنون, وثامار هي أُختُ أمنون من أبيهِ فقط فكَيف َيُصادِق الكتاب على زواجاً مثل هذا كما يَظُنُّ البعضُ من كَلِمات ثامار”  وَٱلْآنَ كَلِّمِ ٱلْمَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي مِنْكَ (صمؤيل الثاني 13 : 13) فهَذِهِ الكلِماتِ لَيسَت كَلِمات مُصادَقة من الله ولكنّها كلِمات فتاةٍ تُحاوِل بطريقة أو بأُخرى أن تَفلُت من وقوع مِثلَ هذا الحَدَث البَشِعِ الّذي يَدينَهُ الكتاب بِشِدّة (تثنية 27 : 22 , لاويين 20 : 17)

الوصيّة

لاحِظ أن الوصيّة تُشَدِّد على عدم إباحة مِثل هذا الأَمْر (اللاويّينَ 18 : 9) “عَوْرَةَ أُختِكَ بنتِ أبيكَ أو بنتِ أُمِّكَ، المَوْلودَةِ في البَيتِ أو المَوْلودَةِ خارِجًا، لا تكشِفْ عَوْرَتَها.” ولكن الأَمْر بالنسبة لقايين كان ليس كذلك بل مُختلِف تماماً إذ أنّهُ لَيْسَ بديلاً طبيعياً غير ذلك و نَظُنُّ أنّهُ تزوَّجَ ابنةَ أخيهِ أو ابنةَ أُختِهِ وَنَجِدُ مِثالاً على ذلِكَ في زواج ” ناحور ” أخو ابراهيم من ملكه بِنتُ أخيهِ الأكبر هاران (تكوين 11 : 29) أيضاً مِثالاً آخر هو ابراهيم وساره, ولكِنّ السؤال الذي يطرأ على ذِهن المؤمنين من اين جاء قايين بزوجة له؟ الحقيقة هي أنّ أهميّةَ هذا السُّؤال تَكْمُن في أن النُّقَّادَ شَكَّكوا من مصداقية وتاريخية سِفرِ التّكوين إذ أنّهم قالوا أن آدم ليسَ هوَ أَوّلَ إنسان على الأرضِ وأنّهُ كانَ هُناكَ جِنسٌ آخرٌ مِنَ البَشَرِ لم يَنحدِر من آدم مِنهُ جاءت امرأةَ قايين.

أحد هؤلاء المُشَكِّكين هو كارل سيجان فى كتابه Contact وَجَّهَ هذا السُّؤال مُنْتَقِداً تاريخيّة الكِتاب وعلى كِتابهِ هذا أنتَجَ فيلماً يَحمِل ذات الإسم وفي كِتابِهِ هذا يَرُدُّ فقط عن أنّ زوجةَ أحدِ الخُدّام كانت تُوَجِّه هذهِ الأسئلة لمجموعة من المُجتمِعين في الكنيسة. لقد أخبَرَنا الكِتاب أن آدم هو اللإنسان الأوّل (1 كورنثوس 15 : 45) وأنّ نَسلَهُ هوَ النَّسل الذي سَيَتَمَتّع المُؤمنين مِنهُ ببركة الخلاص فآدم كالإنسان الأوّل هو الّذي أَدْخَلَ الخطيّة إلى العالم (رومية 5 : 12) والخطيّةُ أَتَت بالموتِ, ويسوعَ المسيح هوَ آدم الأخير (1 كورنثوس 15 : 45) وهُوَ بِدونِ خطيّة هُوَ الّذي دَفَعَ أُجرة الخَطيّة. مِن ثُمَّ أيّ وُجود لِجِنسٍ بشريٍّ آخَر يُفَتِّت عَضْدَ الإنجيلِ وقِصّة الفِداء, فامرأةِ قايين هيَ مِن نَسْلِ آدم الإنسان الأوّل وهيَ مِن مواليدِ حَوّاء أُمُّ كُلَّ حَيّ وَمَا بَيْنَ الشّاهِدَينِ القويَّينِ عَن طُولِ عُمرِ آدَم (930 سنة) والبركة الإلهيّة أَثمِروا وأَكْثِروا (تكوين 5 : 5 , 1 : 28) نَجِد الدّليلَ على وُجودِ زَوجةً لِقايين مِن هذا النَّسلِ, بل أنّ هُناكَ دليلاًً آخَر على وُجودِ الكثيرِ مِنَ البَشَرِ. آنَذاك حَيثُ أنّ قايين بَعْد قَتلِهِ لأخيهِ قالَ “فَيَكُونُ كُلُّ مَنْ وَجَدَنِي يَقْتُلُنِي” (تكوين 4 : 14) وعِبارة كُل مَنْ تُشِيرُ إلى وُجودِ بَشَرٍ كثيرين على الأرضِ آنَذاك.

باستخدام تقنية fibonacci calculator فإنّ الجِنسَ البشريّ في ال 125 عام الأولى للأرضِ كانَ تِعدادُهُ تقريباً 800 ألف شخص إن اعتبرنا إنجاب الشّخص بدأ من عُمر 17 عام .مِثلَ أيّامِنا هذِه.

-إيهاب صادق

Share This