Follow Us

هل تختارُ قادةً روحيّين في كنيستِك؟

يناير 24, 2018 | أبحاث

إنّ واحدةً من أهمِّ وصايا بولسَ إلى تيموثاوسَ وتيطسَ هي أن يختارا ويعيِّنا قادةً روحيّين في كنيستَي أفسسَ وكريتَ. وبيّنَ لهما المؤهّلاتِ التي يجبُ أن يتحلّى بها  كلُّ من يشتركُ في قيادةٍ الكنيسةِ (1 تيموثاوس 3: 1-13 وتيطس 1: 5-9). ومن البدهيِّ أن يكونَ رعاةُ الكنائسِ مُلِمّين بهذينِ المقطعينِ من كلمةِ اللهِ وبمستلزماتِ هذه المناصبِ الحسّاسةِ التي تتطلّبُ روحانيّةً ونضوجاً واتزاناً ورزانةً. فإن لم يكنِ المرءُ روحياً حسبَ مقاييسِ كلمة اللهِ فإنه ليسَ قائداً في الأصلِ. فالقائدُ يقودُ بمثالِهِ الروحيِّ ومعدِنِهِ الأخلاقيِّ. وليستِ المواهبُ والقدراتُ بديلاً لروحانيّةِ القائد. وقد قام عددٌ كبيرٌ من رعاةِ الكنائسِ بكتابةِ مقالاتٍ ورسالاتٍ لشهاداتِهم في الماجستيرِ أو الدكتوراةِ في هذا الموضوعِ. ولديَّ كتبٌ تطرحُ وتعالجُ هذا الجانبَ الرئيسيَّ من قيادةِ الكنيسةِ، وكيف أنّ القادةَ يلعبون دوراً محوريّاً في نموِّ الكنيسةِ روحيّاً وعددياًّ. وبناءً على ما كتبَه الوحيُ في المقطعينِ أعلاهُ، يظنُّ بعضُهم أنّ المؤهّلاتِ التي أورَدها بولسُ كلُّ ما يجبُ أن يتمتعَ به المرشّحُ لمنصبٍ قياديٍّ في الكنيسةِ. ويظنُّ آخرون أنّ كلَّ من تنطبقُ عليه هذه الصفاتُ كفؤٌ ليصبحَ شيخاً أو شمّاساً أو قائداً لشؤونِ الكنيسةِ الإداريّةِ.

أودّ أنْ أقولَ إنّ هنالك جوانبَ عمليّةً يجبُ تفحُّصُها في الشّخصِ الذي تنطبقُ عليه الصفاتُ المذكورةُ كلُّها في رسالتَي تيموثاوسَ وتيطسَ. وليست هذه الصفاتُ مهاراتٍ نادرةً تجمّلُ قادةً للكنائسِ، لكنّها سماتٌ أساسيّةٌ ينبغي على كلِّ مؤمنٍ مسيحيٍّ أن يتّسمَ بها حتى ينمو في الإيمانِ ويصبحَ إنساناً منتجاً وفعّالاً في حقلِ الخدمةِ. وهي دعوةٌ عامّةٌ لا تقتصرُ على القادةِ. ومن متطلّباتِ القائدِ أن يكونَ منقاداً بالمسيحِ وروحِهِ القدوسِ، وهو أمرٌ مطلوبٌ من المؤمنين العاديّين. لكنْ ينبغي أن تتوفَّرَ على الأقلِّ علاماتُ نضوجٍ روحيّةٍ عندَ القائدِ المحتملِ. فعلى سبيلِ المثالِ لا الحصرِ، يمكنُ أنْ نقارنَ هذه العلاماتِ مع ما جاءَ في رسالةِ غلاطيةَ 5، أو ما وردَ في رسالة ِكورنثوسَ الأولى 13. يجبُ أن نضعَ في اعتبارِنا أنّ كنيستَي أفسسَ وكريتَ كانتا في بدايةِ تكوينِهما وانطلاقتِهما ممتلئتين برجالٍ ونساءٍ حديثي الإيمانِ. واالأمرُ المثيرُ للدهشةِ هو أنّ هاتين الكنيستينِ عاشتا في زمنٍ ممتلئٍ بالهرطقاتِ والبدعِ والتعاليمِ الوثنيّةِ الغريبةِ، وأنّ كثيرين من أهلِ هاتينِ المنطقتين قاوموا الإنجيلَ بشدّةٍ (1 تيطس 1: 10-16، 1 تيموثاوس 1: 3-11، أعمال 20: 28-31، غلاطية 1: 6-9). ولذلك أَدْرَجَ بولسُ هذه المؤهلاتِ الأساسيّةَ لتيموثاوسَ وتيطسَ لتكونَ بمنزلةِ قاعدةٍ يبْنيانِ عليها مبادئَ اختيارِ قادةٍ للكنائسِ. فلهذه الاختياراتِ متطلّباتٌ عميقةٌ تشملُ أبعاداً روحيّةً تجسِّدُ المؤهلاتِ المذكورةَ عينَها. إذْ تتطلّبُ قيادةُ الكنيسةِ الفطِنةَ وتمييزَ الأمورِ المتخالفةِ، عدا عن انضباطِ الأفكارِ والكياسةِ في السلوكِ والتصرفِ. وأودُّ التنويهَ هنا إلى أنّ الروحَ القدسَ هو الذي يؤهّلُ ويهيّئُ قادةً للخدمةِ، حيثُ يعلّمُنا الكتابُ المقدّسُ في أعمال 20: 28: “احْتَرِزُوا اِذاً لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ”. ويدلُّ هذا على أنّ اللهَ هو المسؤولُ عن إقامةِ قادةٍ روحيّين في الكنيسةِ، فلا تقعُ هذه المسؤوليةُّ على الرّعاةِ في صناعةِ هؤلاءِ القادةِ. إلا أنّ هنالك مسؤوليّةً عظيمةً ملقاةً على عاتقِ الرعاةِ، ألا وهي الفطنةُ واتخاذُ القرارتِ الحكيمةِ في تعيينِ القادةِ في كنائسِهم. ، فقادةُ الكنيسةِ، في نهايةِ الأمرِ، هم المسؤولون عن تحقيقِ رؤيةِ الكنيسةِ وتتميمِ مشيئةِ اللهِ فيها تحتَ إشرافِ الراعي الذي أقامَه اللهُ للخدمةِ. فالقيادةُ ليست منصباً أو لقباً، بل على نقيضِ ذلك امتيازٌ في خدمةِ اللهِ وشعبِهِ في الكنيسةِ وخارجَها أيضاً. وهو يخدمُهم ولا يخدمُ نفسَهُ. ويفترضُ أن يرى نفسَهُ على أنه خادمُ لهم فعلاً حسبِ لقبِهِ، لا سيدٌ عليهم. ويُخطئُ قادةٌ كثيرون عندما يظنّونَ أن الخدمةَ تتمثلُ في حضورِ اجتماعاتِ مجلسِ الكنيسةِ واتخاذِ القراراتِ فقط. بل ينبغي لكلِّ قائدٍ في الكنيسةِ أن يعطي ويبذلَ من نفسِه في سبيلِ تقدُّمِ الخدمةِ ونجاحِها. وبناءً على هذه المقدمةِ، أريدُ أن أعرضَ أربعةِ جوانبَ تجبُ مراعاتُها بحرصٍ عندَ اختيارِ قائدِ جديدٍ وتعيينِه في الكنيسةِ:

أولاً: ابحثْ عن الرجالِ الذي يحبّونَ الربَّ ورسالةَ الإنجيلِ أكثرَ من اهتمامِهم بفكرِهم اللاهوتيِّ الخاصِّ وطموحاتِهم الشخصيّةِ.

إن القائدَ المثمرَ هو الذي يهتمُّ بتقدُّمِ رسالةِ الإنجيلِ وإظهارِ نعمةِ يسوعَ المسيحِ أكثرَ من فرضِ نفسِه كقائدٍ في الكنيسةِ أو التمتّعِ بتأثير لاهوتيٍّ وتعليميٍّ. ولذا لا أشجّعُ تعيينَ قائدِ يطمحُ في أن يصبحَ قائداً. أنا أُدركُ أنّ رسالةَ تيموثاوسَ 3: 1 تقول “إنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحاً”، لكنّها لا تقولُ إنه ليسَ لهذا الشخصِ دوافعُ شخصيةٌ مستترةٌ تحتَ غطاءِ الخدمةِ. فقد حذّرنا الرسولُ بولسُ من هذا النوعِ من الأشخاصِ الذين يتسلّلونَ إلى الكنائسِ لأغراضٍ شخصيةٍ، لا لغرضِ تقدُّمِ الإنجيلِ (أعمال 20: 28-31). احترسْ من هؤلاءِ الذي يركضونَ وراءَ المناصبِ والألقابِ ويسعونَ وراءَها كي يصبحوا صانعي قراراتٍ وأصحابَ تأثيرٍ ونفوذٍ فقط، في حينِ أنهم بعيدون تماماً عن مبدأِ الخدمةِ والعملِ الحقيقيِّ.

ثانياً: ابحثْ عن الرجالِ الذي يعرفونَ ويحبّونَ كنيستَك.

قادةُ الكنيسةِ جميعُهم ملزمونَ بأن يدركوا جِديّةَ رسالةِ الكنيسةِ ورؤيتَها، وأن يصمّموا على الالتزامِ بها والسعيِ في تحقيقِها. ولدى الكنائسِ كلِّها رسالةُ رؤيةٍ (بمعنى أن الكنيسةَ تعملُ بصورةٍ معيّنةٍ ولهدفٍ محددٍ). ويقومُ بعضُهم بتدوينِ هذه الرؤيةِ ووسائلِ تحقيقِها كتابةً. وأشجعُك على كتابتِها والاجتهادِ في تتميمِها، إن لم تكنْ قد فعلتَ هذا مسبقاً. وبالتالي فإنكَ تبحثُ الآنَ عن القادةِ الذين عندَهم الميولُ والاتجاهُ نفسُها والذين سيعملونَ معكَ بجدٍّ ونشاطٍ لتحقيقِ الرؤيةِ التي وضعَها الربُّ في قلبِك. فالقادةُ المثمِرون هم الذين يروّضون روحَ الوحدةِ والعملِ المشتركِ وتقاسُمِ الأدوارِ والاتفاقِ على أسلوبِ عبادةٍ معيّنٍ. وينبغي للقادةِ الجددِ أن يكونوا متمرّسين في الخدمةِ لفترةٍ طويلةٍ في الكنيسةِ نفسِها لكي يكونوا على اطّلاعٍ على جوانبِ خدمةِ الكنيسةِ جميعِها ويدركوها ويفهموها.

ثالثاً: ابحثْ عن الرجالِ الذين يمتلكونَ مقدرةً طبيعيةً في التحفيزِ على الوحدةِ والإجماعِ في الرأيِ.

إنّ الفطنةَ الروحيّةَ بينَ الجماعةِ، والتي يجبُ أن تكونَ أهمَّ ميزاتِ القائدِ، مهارةٌ وموهبةٌ من خلالِها يتفقُ الأشخاصُ في الجماعةِ كلِّها أو معظمِها على كيفيةِ قيادةِ الربِّ في أمرٍ ما. إن القائدَ الذي لا يعرفُ كيف يجمعُ، رغمَ محاولاتِه الصادقةِ، يفرّقُ. وتكمنُ المشكلةُ في عدمِ الفطنةِ في جذبِ الآخرين، لكنْ عليك الحذرُ من الذين يتلاعبون بمشاعرِ الآخرين وأفكارِهم.

رابعاً: ابحثْ عن الرجالِ الذين يمارسونَ الدّورَ القياديَّ الآنَ في كنيستِك من غيرِ أن يتقلّدوا مناصبَ رسميًّة.

إن الأشخاصَ الذين يمتلكون المواهبَ الرعويّةَ هم الذين يرشدونَ الآخرين بحنانٍ ولطفٍ وهدوءٍ، بغضِّ النظرِ عما اذا كان لديهم لقبٌ أم  لا. فالألقابُ آخرُ اهتماماتِ هؤلاءِ الرجالِ المهتمّينَ بملكوتِ اللهِ والمتمتّعين بعقليّةِ الملكوتِ. وغالباً ما يثقُ الآخرون بهؤلاءِ الأشخاصِ ويقصدونَهم من أجلِ الاستشاراتِ الروحيّةِ والعمليّةِ. ولهذا السببِ أوصى بولسُ بأن لا نتسرّعَ في تعيينِ القادةِ. إن القائدَ بالفطرةِ هو الذي يرى ويدركُ الاحتياجاتِ الروحيّةَ من حولِه. فقراراتُ اختيارِ القادةِ من أهمِّ القرارتِ التي يمكنُ أن تتخذَها. فصَلِّ بلجاجةٍ، وتمهّلْ في الاختيارِ، واحصلْ على إجماعٍ، وسيؤيّدُ الربُّ قرارَك.

فارس أبو فرحة

Share This